الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
عن قول المتنبي: وهو الذي فهمه السلف من الآية، ومن هنا كان أكثر الشيوخ يقفون على الأمثال ويتبدءون بقوله تعالى: {لِلَّذِينَ استجابوا} وقال صاحب المرشد: إنه وقف تام والوقف على {الحسنى} حسن وكذا على {لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} والعجب من الزمخشري كيف اختار خلاف ذلك مع وضوحه والله تعالى أعلم.ومن باب الإشارة: {المر} أي الذات الأحدية واسمه العليم واسمه الأعظم ومظهره الذي هو الرحمة {تِلْكَ ءايات} علامات {الكتاب} [الرعد: 1] الجامع الذي هو الوجود المطلق {الله الذي رَفَعَ السموات *بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أي بغير عمد مرئية بل بعمد غير مرئية، وجعل الشيخ الأكبر قدس سره عمادها الإنسان الكامل، وقيل: النفس المجردة التي تحركها بواسطة النفس المنطبعة وهي قوة جسمانية سارية في جميع أجزاء الفلك لا يختص بها جزء دون جزء لبساطته وهي نزلة الخيال فينا وفيه ما فيه، وقيل: رفع سموات الأرواح بلا مادة تعمدها بل مجردة قائمة بنفسها {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} بالتأثير والتقويم، وقيل: عرش القلب بالتجلي {وَسَخَّرَ الشمس} شمس الروح بإدراك المعارف الكلية واستشراف الأنوار العالية {والقمر} قمر القلب بإدراك ما في العالمين والاستمداد من فوق ومن تحت ثم قبول تجليات الصفات {كُلٌّ يَجْرِى لاِجَلٍ مُّسَمًّى} وهو كما له بحسب الفطرة {يُدَبّرُ الامر} في البداية بتهيئة الاستعداد وترتيب المبادي {يُفَصّلُ الآيات} في النهاية بترتيب الكمالات والمقامات {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبّكُمْ} عند مشاهدة آيات التجليات {تُوقِنُونَ} [الرعد: 2] عين اليقين.وقال ابن عطاء: يدبر الأمر بالقضاء السابق ويفصل الآيات بأحكام الظاهر لعلكم توقنون أن الله تعالى الذي يجري تلك الأحوال لابد لكم من الرجوع إليه سبحانه: {وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض} أي أرض قلوب أوليائه ببسط أنوار المحبة {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ} المعرفة لئلا تتزلزل بغلبة هيجان المواجيد وجعل فيها {أَنْهَارًا} من علوم الحقائق {وَمِن كُلّ الثمرات جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين} وهي ثمرات أشجار الحكم المتنوعة {يغشى وَهُوَ الذى} تجلى الجلال وتجلى الجمال {إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: 3] في آيات الله تعالى، قال أبو عثمان: الفكر إراحة القلب من وساوس التدبير، وقيل: تصفيته لوارد الفوائد، وقيل: الإشارة في ذلك إلى مد أرض الجسد وجعل رواسي العظام فيها وأنهار العروق وثمرات الأخلاق من الجود والبخل والفجور والعفة والجبن والشجاعة والظلم والعدل وأمثالها والسواد والبياض والحرارة والبرودة والملاسة والخشونة ونحوها، وتغشية ليل ظلمة الجسمانيات نهار الروحانيات وفي ذلك آيات لقوم يتفكرون في صنع الله تعالى وتطابق عالميه الأصغر والأكبر {وَفِى الأرض قِطَعٌ متجاورات} فقلوب المحبين مجاورة لقلوب المشتاقين وهي لقول العاشقين وهي لقلوب الوالهين وهي لقلوب الهائمين وهي لقلوب العارفين وهي لقلوب الموحدين، وقيل: في أرض القلوب قطع متجاورات قطع النفوس وقطع الأرواح وقطع الأسرار وقطع العقول والأولى تنبت شوك الشهوات والثانية زهر المعارف والثالثة نبات كواشف الأنوار والرابعة أشجار نور العلم وفيها {جنات مّن أعناب} أي أعناب العشق {وَزَرْعٌ} أي زرع دقائق المعرفة {وَنَخِيلٌ} أي نخل الإيمان {صنوان} في مقام الفرق {وَنَخِيلٌ صنوان} في مقام الجمع، وقيل: صنوان إيمان مع شهود وغير صنوان إيمان بدونه {يسقى اء واحد} وهو التجلي الذي يقتضيه الجود المطلق {وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الاكل} [الرعد: 4] في الطعم الروحاني، وقيل: أشير أيضًا إلى أن في أرض الجسد قطعًا متجاورات من العظم واللحم والشحم والعصب وجنات من أشجار القوى الطبيعية والحيوانية والإنسانية من أعناب القوى الشهوانية التي يعصر منها هوى النفس والقوى العقلية التي يعصر منها هوى النفس والقوى العقلية التي يعصر منها خمر المحبة والعشق وزرع القوى الإنسانية ونخيل سائر الحواس الظاهرة والباطنة صنوان كالعينين والاذنين وغير صنوان كاللسان وآلة الفكر والوهم يسقى اء واحد وهو ماء الحياة ونفضل بعضها على بعض في أكل الإدراكات والملكات كتفضيل مدركات العقل على الحس والبصر على اللمس وملكة على العفة وهكذا {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} بعد ظهور الآيات {مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} ولم يعلموا أن القادر على ذلك قادر على أن يحيي الموتى.وقيل: إن منشأ التعجب أنهم أنكروا الخلق الجديد يوم القيامة مع أن الإنسان في كل ساعة في خلق آخر جديد بل العالم بأمره في كل لحظة يتجدد بتبدل الهيآت والأحوال والأوضاع والصور، وإلى كون العالم كل لحظة في خلق جيديد ذهب الشيخ الأكبر قدس سره فعنده الجوهر وكذا العرض لا يبقى زمانين كما أن العرض عند الأشعري كذلك، وهذا عند الشيخ قدس سره مبني على أن الجواهر والإعراض كلها شؤنه تعالى عما يقوله الظالمون علوًا كبيرًا وهو سبحانه كل يوم أي وقت في شأن، وأكثر الناس ينكرون على الأشعري قوله بتجدد الاعراض، والشيخ قدس سره زاد في الشطرنج جملًا ولا يكاد يدرك ما يقوله بالدليل بل هو موقوف على الكشف والشهود، وقد اغتر كثير من الناس بظاهر كلامه فاعتقدوه من غير تدبر فضلوا وأضلوا {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} فلم يعرفوا عظمته سبحانه: {وَأُوْلَئِكَ الاغلال فِي أعناقهم} فلا يقدرون أن يرفعوا رؤوسهم المنتكسة إلى النظر في الآيات {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} [الرعد: 5] لعظم ما أتوا به {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} ناسبة استعدادهم للشر {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} عقوبة أمثالهم {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} أنفسهم باكتساب الأمور الحاجبة لهم عن النور ولم ترسخ فيهم {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب} [الرعد: 6] لمن رسخت فيه {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ} لعمى بصائرهم عن مشاهدة الآيات الشاهدة بالنبوة {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ} تشهد له صلى الله عليه وسلم بذلك {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} ما عليك إلا انذارهم لا هدايتهم {وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7] هو الله تعالى، وقيل: لكل طائفة شيخ يعرفهم طريق الحق {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} فيعلم ما تحمل أنثى النفس من ولد الكمال أي ما في قوة كل استعداد {وَمَا تَغِيضُ الارحام} أي تنقص أرحام الاستعداد بترك النفس وهواها {وَمَا تَزْدَادُ} بالتزكية وبركة الصحبة {وَكُلَّ شيء} من الكمالات {عِندَهُ} سبحانه: {قْدَارٍ} [الرعد: 8] معين على حسب القابلية {سَوَاء مّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول} في مكمن استعداده {وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} بإبرازه إلى الفعل {وَمَنْ هو مستخف بالليل} ظلمة ظلمة نفسه {وَسَارِبٌ بالنهار} [الرعد: 10] بخروجه من مقام النفس وذهابه في نهار نور الروح {لَهُ معقبات مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} إشارة إلى سوابق الرحمة الحافظة له من خاطفات الغضب أو الإمدادات الملكوتية الحافظة له من جن القوى الخيالية والوهمية والسبعية والبهيمية وإهلاكها أياه {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ} من النعم الظاهرة أو الباطنة {حتى يُغَيّرُواْ مّمَّا بِأَنفُسِهِمْ} من الاستعداد وقوة القبول؛ قال النصر أبادي: إن هذا الحكم عام لكن مناقشة الخواص فوقة مناقشة العوام، وعن بعض السلف أنه قال: إن الفأرة مزقت خفى وما أعلم ذلك إلا بذنب أحدثته وإلا لما سلطها على وتمثل بقول الشاعر: {وإذا أراد الله بقومٍ سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} [الرعد: 11] إذ الكل تحت قهره سبحانه، قال القاسم: إذا أراد الله تعالى هلاك قوم حسن موارده في أعينهم حتى يمشون إليها بتدبيرهم وأرجلهم، ولله تعالى در من قال: {هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق} أي برق لوامع الأنوار القدسية {خَوْفًا} خائفين من سرعة انقضائه أو بطء رجوعه {وَطَمَعًا} طامعين في ثباته أو سرعة رجوعه {وَينشئ السحاب الثقال} [الرعد: 12] برق المكاشف وينشيء للعارفين سحاب العظمة الثقال اء الهيبة فيمطر عليهم ما يحييهم به الحياة التي لا تشبهها حياة، وأنشدوا للشبلى: وعن بعضهم أن البرق إشارة إلى التجليات البرقية التي تحصل لأرباب الأحوال وأشهر التجليات في تشبيهه بالبرق التجلي الذاتي، وأنشدوا: وذكر الإمام الرباني قدس سره في المكوتبات أن التجلي الذاتي دائمي للكاملين من أهل الطريقة النقشبندية لا برقى وأطال الكلام في ذلك مخالفًا لكبار السادة الصوفية كالشيخ محيى الدين قدس سه. وغيره، والحق أن ما ذكره من التجلي الذاتي ليس هو الذي ذكروا أنه برقى كما لا يخفى على من راجع كلامه وكلامهم {وَيُسَبّحُ الرعد} أي رعد سطوة التجليات الجلالية ويمجد الله تعالى عما يتصوره العقل ملتبسًا {بِحَمْدِهِ} وإثبات ما ينبغي له عن شأنه {والملئكة} وتسبح ملائكة القوى الروحانية {مِنْ خِيفَتِهِ} من هيبتة جلاله جل جلاله {وَيُرْسِلُ الصواعق} هي صواعق السبحات الإلهية عند تجلي القهر الحقيقي المتضمن للطف الكلى {فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء} فيحرقه عن بقية نفسه، وفي الخبر: «إن لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» وقال ابن الزنجاني: الرعد صعقات الملائكة والبرق ذفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم، وجعل الزمخشري هذا من بدع المتصوفة، وكأني بك تقول: إن أكثر ما ذكر في باب الإشارة من هذا الكتاب من هذا القبيل.والجواب إنا لا ندعي إلا الإشارة وأما أن ذلك مدلول اللفظ أو مراد الله تعالى فمعاذ الله تعالى من أن يمر بفكري، واعتقاد ذلك هو الضلال البعيد والجهل الذي ليس عليه مزيد، وقد نص المحققون من الصوفية على أن معتقد ذلك كافر والعياذ بالله تعالى، ولعلك تقول: كان الأولى مع هذا ترك ذلك. فنقول: قد ذكر مثله من هو خير منا والوجه في ذكره غير خفي عليك لو أنصفت {وَهُمْ يجادلون فِي الله} بالتفكر في ذاته والنظر للوقوف على حقيقة صفاته {وَهُوَ} سبحانه: {شَدِيدُ المحال} [الرعد: 13] في دفع الأفكار والأنظار عن حرم ذاته وحمى صفاته جل جلاله: {لَهُ دَعْوَةُ الحق} أي الحقة الحقيقة بالإجابة لا لغيره سبحانه: {والذين يَدْعُونَ} الأصنام {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْء إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ إِلَى الماء لِيَبْلُغَ فَاهُ} أي إلا استجابة كاستجابة من ذكر لأن ما يدعونه عزل عن القدرة {وَمَا دُعَاء الكافرين} المحجوبين {إِلاَّ فِي ضلال} [الرعد: 14] أي ضياع لأنهم لا يدعون الإله الحق وإنما يدعون إلها توهموه ونحتوه في خيالهم {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ} ينقاد {مَن فِي السموات والأرض} من الحقائق الروحانيات {طَوْعًا وَكَرْهًا} شاؤا أم أبوا {وظلالهم} هياكلهم {بالغدو والاصال} [الرعد: 15] أي دائمًا؛ وقيل: يسجد من في السموات وهو الروح والعقل والقلب وسجودهم طوعًا ومن في الأرض النفس وقواها وسجودهم كرهًا.وقيل: الساجدون طوعًا أهل الكشف والشهود والساجدون كرهًا أهل النظر والاستدلال {أَنزَلَ مِنَ السماء} من سماء روح القدس {مَاء} أي ماء العلم {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ} أي أودية القلوب {بِقَدَرِهَا} بقدر استعدادها {فاحتمل السيل زَبَدًا} من خبث صفات أرض النفس {رَّابِيًا} طافيًا على ذلك {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار} نار العشق من المعارف والكشوف والحقائق والمعاني التي تهيج العشق {ابتغاء حِلْيَةٍ} طلب زينة النفس لكونها كمالات لها {أَوْ متاع} من الفضال الخلقية التي تحصل بسببها فإنها مما تتمتع به النفس ما {زَبَدٌ} خبث {مّثْلِهِ} كالنظر إليها ورؤيتها والإعجاب بها وسائر ما يعد من آفات النفس {فأما الزبد فيذهب جفاء} منفيًا بالعلم {وأما ما ينفع الناس} من المعاني الحقة والفضائل الخالصة {فيمكث في الأرض} [الرعد: 17] أرض النفس، وقال بعضهم: أنه تعالى شبه ما ينزل من مياه بحار ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله إلى قلوب الموحدين والعارفين والمكاشفين والمريدين بما ينزل من السماء إلى الأودية، فكما تحمل الأودية حسب اختلافها ماء المطر تحمل تلك القلوب مياه هاتيك البحار حسب اختلاف حواصلها وأقدار استعداداتها في المحبة والمعرفة والتوحيد، وكما أن قطرات الأمطار تكون في الأودية سيلًا فيحتمل السيل زبدًا وحثالة وما يكون مانعًا من الجريان يكون تواتر أنوار الحق سبحانه سيل المعارف والكشوفات فيسيل في أودية القلوب فيحتمل من أوصاف البشرية وما دون الحق الذي يمنع القلوب من رؤية الغيوب ما يحتمله فيذهب جفاء فتصير حينئذ مقدسة عن زبد الرياء والسمعة والنفاق والخواطر المذمومة وتبقى سائحة في أنوار الأزل والأبد بلا مانع من العرش إلى الثرى، وشبه سبحانه أعمال الظاهر والباطن وما ينفتح فاتيحها من الغيب بجواهر الأرض والفضة وغيرهما إذا أذيبا للانتفاع بهما وبين تعالى أن لهما زبدًا مثل زبد السيل وأنه يذهب ويمكث أصلهما الصافي، فكذلك أعمال الظاهر والباطن تدخل في بودقة الإخلاص ويوقد عليهما نيران الامتحان فيذهب ما فيه حظ النفس ويبقى ما هو خالص لله تعالى، وهكذا الخواطر يبقى منها خاطر الحق ويضمحل سريعًا خاطر الباطل، وعن بعضهم القلوب أوعية وفيها أودية فقلب يسيل فيه ماء التوبة وقلب يسيل فيه ماء الرحمة وقلب يسيل فيه ماء الخوف وقلب يسيل فيه ماء الرجاء وقلب يسيل فيه ماء المعرفة وقلب يسيل فيه ماء الإنس وكل ماء من هذه المياه ينبت في القلب نوعًا من القربة والقرب من الله عز وجل ومن القلوب ما حرم ذلك والعياذ بالله تعالى، وقال ابن عطية: روى عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السماء مَآء} إلخ يريد بالماء الشرع والدين وبالأودية القلوب ومعنى سيلانها بقدرها أخذ النبيل بحظه والبليد بحظه، ثم قال: وهذا قول لا يصح والله تعالى أعلم عن ابن عباس لأنه ينحو إلى قول أصحاب الرموز، وقد تامسك به الغزالي وأهل ذلك الطريق، وفيه إخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب بغير داع إلى ذلك، وإن صح ذلك عن ابن عباس فيقال فيه: إنما قصد رضي الله تعالى عنه أن قوله تعالى: {كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل} [الرعد: 17] معناه الحق الذي يتقرر في القلوب والباطل الذي يعتريها اه ونحن نقول: إن صح ذلك فمقصود الحبر منه الإشارة وإن كان يريد غير ظاهر فيه، وحجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة أشد الناس على أهل الرموز القائلين بأن الظاهر ليس مراد الله تعالى كما لا يخفى على متتبعي كلامه، وسمعت من بعض الناس أن أهل الكيمياء تكلموا في هذه الآية على ما يوافق غرضهم ولم أقف على ذلك {للذين استجابوا لربهم} بتصفية الاستعداد عن كدورات صفات النفس {الحسنى} المثوبة الحسنى وهو الكمال الفائض عليهم عند الصفاء {والذين لم يستجيبوا له} تعالى وبقوا في الرذائل البشرية والكدورات الطبيعية {لو أن لهم ما في الأرض} الجهة السفلية من الأموال والأسباب التي انجذبوا إليها بالمحبة فأهلكوا أنفسهم بها {ومثله معه لافتداو به} ما ينالهم من الحجاب والحرمان {أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوء الحساب} لوقوفهم مع الأفعال في مقام النفس {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} الحرمان {وَبِئْسَ المهاد} [الرعد: 18] جهنم والعياذ بالله تعالى ونسأله العفو والعافية.
|